الصحافة الجزائرية بين الفصحى والدارجة: جدل الهوية والوظيفة
لا يمكن الحديث عن الصحافة الجزائريةدون التوقف عند إشكالية اللغة التي تطبعها منذ عقود. فالصحفي الجزائري يكتب وينشر ويخاطب جمهوراً يعيش يومياً ازدواجية لغوية واضحة: العربية الفصحى كلغة رسمية ومؤسساتية، والدارجة الجزائرية كلغة يومية حميمة ومباشرة. هذه الازدواجية لم تبقَ حبيسة الحياة الاجتماعية، بل انعكست بوضوح على الإنتاج الإعلامي.
من جهة، تحافظ الصحف التقليدية على الفصحى باعتبارها لغة شرعية وقانونية تمنح الكتابة سلطة وهيبة، وتضمن قدراً من الانسجام مع الإرث العربي الإسلامي. ومن جهة أخرى، فرضت الدارجة نفسها في الإعلام الجديد، خصوصاً عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها لغة قريبة من القارئ وتخاطب وجدانه بشكل مباشر.
لقد أظهرت تجارب إعلامية محلية، على غرار موقع دزاير تيوب أن توظيف اللهجة الدارجة في عناوين أو محتويات معينة يزيد من نسب القراءة ويقرب المادة من المتلقي، حتى وإن جلب ذلك انتقادات حادة من المدافعين عن نقاء الفصحى. هذا التوجه ليس عشوائياً، بل يعكس تحولات في أنماط الاستهلاك الإعلامي، حيث يبحث القارئ عن لغة سهلة، سريعة، ومتصلة بحياته اليومية.
لكن التحدي يظل قائماً: كيف يمكن للصحافة الجزائرية أن توفق بين مطلب الفصاحة والشرعية الثقافية من جهة، ومطلب القرب والتأثير من جهة أخرى؟ فالإفراط في الدارجة قد يضعف المحتوى ويختزله في الإثارة، بينما الانغلاق في الفصحى وحدها قد يجعل الخطاب بعيداً عن نبض الشارع.
في النهاية، المسألة ليست مجرد اختيار لغوي، بل رهان هوياتي ومهني في آن واحد. فالصحافة الجزائرية مطالبة بابتكار صيغة ذكية تمزج بين الرصانة والحميمية، بين عمق الفصحى وبساطة الدارجة، لتبقى قادرة على التأثير في جمهور متنوع، متطلب، وسريع التغير.